معركة كورسك
تميزت الحرب العالمية الثانية بوجود العديد من المعارك البرية و البحرية و التي حسمت نتيجة الحرب لصالح (الحلفاء) فمن (ستالينجراد) ل(نورماندي) ل(لعالمين) 1 و2 برا و من (بيرل هاربور) ل(ميدواي) ل(بحر الكورال) بحرا ..... و لكن تظل هناك معركة واحدة حاسمة وسط كل تلك المعارك .... فصحيح أن عام 1943م حمل الكثير من البشريات السيئة للرايخ الثالث و لكن (الفيرماخت) ظل قويا عصيا علي الكسر حتي حدثت تلك المعركة .... عن أكبر معركة برية في التاريخ الحديث و القديم أحدثكم..
عن معركة (كورسك)
يعتبر الكثير من الخبراء أن جيش الرايخ الثالث .... الجيش النازي (الفيرماخت) هو أقوي جيش في التاريخ .... فالإنتصارات التي حققها بين 1939م-1941م من بولندا لبلجيكا لهولندا لفرنسا إنتهاء بإجتياح مساحات شاسعة من الإتحاد السوفيتي (بلغت عدة مليونات من الكيلومترات المربعة) في العملية (بارباروسا) لم يستطع جيش أن يحققها في تاريخ البشر في تلك الفترة الوجيزة.
فلقد إستطاع الرايخ الثالث بقيادة (هتلر) في الفترة بين 1936-1939م تحقيق الكثير من الإنجازات علي مستوي التصنيع الحربي (لا مجال لذكرها هنا طبعا) كما أنهم قاموا بتدريب الجندي الألماني جيدا فأصبح أفضل جندي في أوروبا و بلا منازع .... و مع وجود قادة عسكريين عظام من عينة (إرفين فان روميل) و (إريك فون مانشتاين) و (هاينز جيداريان) و (جونتر فون كلوج) إستطاع الجيش النازي بتكتيكاته الجديدة و أبرزها البليتز كريج تحقيق هذه الإنتصارات السريعة و الحاسمة..
و جاءت الفترة بين 1941-1943م لتشهد فترة الركود أو الكر و الفر بين القوات الألمانية المعادية و الجيش الأحمر و الذي إستطاع أن يكبد الألمان خسائر فادحة في حروبه من أجل إحتلال المدن السوفيتية الكبري و خاصة (كييف) و (سيفاستوبول) إنتهاء بإنكسار الجيش النازي السادس في (ستالينجراد) و إستسلام القائد النازي (فريدريك بوليس) كأول جيش ألماني يعلن إستسلامه في الحرب .... ففي هذه المدن فقد الألمان مئات الالاف من الرجال و الاف الدبابات و المعدات العسكرية..
و رغم الهزيمة الفادحة كان (الفيرماخت) لازال قويا عفيا و إستطاع العبقري (فون مانشتاين) تحقيق نصر جديد علي السوفيت بإحتلال مدينة (خاراكوف) السوفيتية بعد اقل من شهر علي الهزيمة في (ستالينجراد) و بهذا إستطاع الجيش النازي الجنوبي إيقاف التقدم السوفيتي بل و تكبيدهم خسائر فادحة و إستطاع جيش الوسط الألماني إيقاف أي تقدم (سوفيتي) في مدينة (اوريل) و لكن كانت هناك مسافة شاسعة بين المدينتين (خاراكوف) و (أوريل) و في هذه المسافة و حول مدينة صغيرة تسمي (كورسك) بدأ الجيش الأحمر يحشد جنده إستعدادا لجولة أخري..
و الان الأنباء و المعلومات الإستخبارتية تقول أن السوفيت يقومون بجمع قواتهم حول مدينة (كورسك) و التحضير لهجوم مضاد كبير لتحرير باقي الجنوب الغربي و الوسط السوفيتي من النازيين و يري (هتلر) أن الفرصة سانحة للهجوم علي (السوفيت) هناك و كسر القوة الكبيرة المتجمعة من أجل فتح الطريق شرقا مرة أخري و إعطاء الجيش النازي برهة من الوقت كي يستعيد عافيته بعد كسر أي هجوم روسي محتمل لفترة طويلة مستقبليا كما أنها فرصة ذهبية لأسر الالاف من الجنود السوفيت و الذين سيعملون كعبيد في مصانع إنتاج السلاح الألمانية و التي بدأت تفتقر للأيدي العاملة بشدة..
رغم أن الجيش الألماني كان لا يزال قويا إلا أنه بعد (ستالينجراد) لم يعد هذا الجيش الذي يجتاح الأراضي المعادية في غضون أسابيع معدودة و قدراته علي شن هجوم كبير لم تعد كما كانت ... كان القادة الألمان و علي رأسهم الثعلب (فون مانشتاين) شخصيا يدركون هذه الحقيقة ....
هم يستطيعون التمركز حول المدن التي أخذوها و الدفاع عنها جيدا و لكن هزيمة السوفيت (بمواردهم الصناعية و البشرية اللامحدودة) و الإستيلاء علي مدن جديدة أمر أخر لا يقدر عليه الألمان في الوقت الحالي .... كما أن القوات السوفيتية المتجمعة حول (كورسك) كبيرة جدا و لا سبيل لهزيمتها و كل القادة الألمان رأوا هذا و ابلغوا هتلر بهذا الرأي .....
و لكن (هتلر) كان سعيدا بالنجمتين اللي علقهم علي كتفه في الحرب الأولي و ظن أنه قائدا عسكريا محنكا أفضل من جنرالاته العباقرة (زي واحد صاحبنا) رغم أن كل خبراته في الحرب العالمية الأولي لم تتعد الكانتين و بعض مهام الإمداد و التموين (أحسن من صاحبنا علي أي حال اللي ملوش أي خبرات في أي حرب أصلا) و قرر تطوير الهجوم شرقا رغم أنف كل جنرالاته (زي واحد صاحبنا) و مني في النهاية بهزيمة ساحقة و رفض الإقرار بخطأه بل قام بسجن بعضا من جنرالاته (زي واحد صاحبنا) بالضبط..
مع حلول يناير 1943م وجد (فون مانشتاين) أن الأراضي التي يسيطر عليها الجيش النازي كبيرة جدا و أكبر حتي من ال3 مليون جندي الذي وضعهم الألمان للعملية (بارباروسا) و أن المسافات بين الجيوش و الفرق الألمانية داخل الإتحاد السوفيتي كبيرة جدا ..
كان (فون مانشتين) يري أن هذه المسافات الشاسعة تقلل من قدرة الألمان علي إمداد تلك الجيوش و الفرق بالمؤن و الذخائر اللازمة و أنه لا مفر من القيام بعملية سريعة لإعادة إنتشار القوات الألمانية لدرء هذا الخطر .... و لكن طبعا (هتلر) كان يرفض عملية –إعادة إنتشار القوات- و يعتبرها إنسحابا و الألمان لا ينسحبون ....
جاءت النتيجة سريعا علي أي حال حينما فقد الألمان 90 ألف جندي و ضابط و الجيش السادس كله بسبب عدم قدرة الألمان علي إمداده وبالمؤن و الذخائر اللازمة لإستكمال القتال حول (ستالينجراد) .... لذا كما قلنا رأي القادة الألمان الركون للدفاع قليلا و عدم الهجوم و عدم محاولة كسب أي أرض جديدة و لكن كما قلنا (هتلر) كان مصمما علي مهاجمة القوات السوفيتية المتجمعة حول (كورسك) ..
و بدأ التخطيط لمهاجمة السوفيت في (كورسك) و كان (فون مانشتاين) يري أن يترك السوفيت يتقدمون بإتجاه (خاراكوف) و يتركهم يحتلون المدينة حتي إذا ما طالت خطوط الإمداد قام هو بقطعها و محاصرة الجيش الأحمر داخل (خاراكوف) و القضاء عليه و لكن كما تعلمون ف(هتلر) لديه عقدة اسمها إنسحاب لذا كانت الخطة مرفوضة طبعا و تقدم رئيس الأركان الألماني شخصيا الكولونيل جنرال (زايتسلر) (كولونيل جنرال تكافئ رتبة الفريق أول لدينا) بخطة عبقرية و هي مهاجمة السوفيت في كورسك من جهتين ... شمالا من مدينة (أوريل) و جنوبا من (خاراكوف) و الإطباق عليهم (خطة عبقرية كما ترون و لا تختلف كثيرا عن أي خطة يضعها طفل في العاشرة من عمره في لعبة Generals أو Red Alert ) و رغم إعتراض كل الجنرالات التاليين (لزايتسلر) علي الخطة إلا أنها لاقت هوي في نفس (هتلر) .... عرفت العملية بالاسم الكودي القلعة .... أو بالألمانية (زيتادل)..
و لكن (هتلر) قرر تأجيل الهجوم شهرين إلي يوليو 1943م بدلا من مايو و كان السبب الرئيسي لهذا هو إنتظار قدوم الأسلحة الجديدة من المصانع الألمانية و التي كان يأمل (هتلر) أن تقلب موازين الحرب لصالح الرايخ الثالث و كانت هذه الأسلحة هي:
- الدبابة (بانزر مارك 5): كانت مشروعا قديما من قبل الحرب أضطر الألمان لإعادة إحيائه بعد أن أثبتت التي-34 السوفيتية أنها ند قوي للبانزر مارك 4 و تميزت الدبابة ب 120مم من التدريع المائل أماما و مدفع قوي عيار 76مم أل70 و وزن بلغ 45 طن أي أكثر من التي 34 بحوالي 17 طنا و كانت تعتبر أفضل دبابات الحرب الثانية..
- الدبابة (بانزر مارك 6) أو (تايجر1): و قرر الألمان المضي قدما للأمام و تحقيق تفوق نوعي ساحق علي الروس بالدبابات الجديد من طراز بانزر مارك 6 أو تايجر 1 و التي بلغ وزنها 55 طنا و تمتعت بتدريع قوي لا يمكن إختراقه بواسطة اي مدفع علي أرض المعركة كما تمتعت بمدفع جبار عيار 88مم و الذي بلغ مداه 2000م .... كما نري الدبابة قريبة المواصفات من بعض الدبابات العاملة حتي اليوم ببعض الجيوش .... تم الزج ب100 دبابة من هذا النوع في الحرب..
- مدفع الهاوتزر ذاتي الحركة (فيرديناند): و الذي قامت شركة (بورش) بتصميمه علي شاسيهات كانت معدة مخصوص لتكون هي دباباة التايجر 1 قبل أن تخسر (بورش) المناقصة لصالح (هينشيل) و لكن (بورش) قررت الإستفادة بالشاسيهات التي قامت ببنائها و تم وضع مدفع جبار عيار 88مم أل 71 (أطول من مدفع التايجر كثيرا) كي تعمل كمدمرة دبابات علي أرض المعركة .... بلغ وزنها 68 طنا و لم تحقق أي نجاحا يذكر بسبب بطئها الشديد و صعوبة تحريكها حيث لم تزيد سرعتها القصوي علي 20كم/س ... حيث تم اسر 40 مدفع من اصل 80 مع ول 3 ايام من المعارك..
- الطائرة الشهيرة (ستوكا) المطورة جاي 87 جي: حيث تم إضافة مدفعين عيار 37مم أسفل الطائرة بدلا من القنابل كي تعمل كصائدة دبابات من الجو (مثل الأيه 10 حاليا)..
و لكن (السوفيت) كانوا يدركون كل تلك الخطط الألمانية ... فالمخابرات البريطانية إستطاعت إختراق دوائر الإتصالات النازية العليا بواسطة عميل حمل الاسم الكودي (لوسي) و غير معروف كنهه حتي يومنا هذا و مدت المخابرات البريطانية السوفيت بكل الخطط الألمانية للهجوم عن طريق لقاءات عليا بين الطرفين في سويسرا.
كما أن القادة السوفيت أصبحوا يتمتعون بخبرة عسكرية كبيرة بعد عامين من القتال المتواصل في الإتحاد السوفيتي ..... و كان القائد السوفيتي (يورجي زوكوف) قائدا عنيدا لا يشق له الغبار و لا يقل عن (فون مانشتاين) بأي حال من الأحوال ..... و لكن (زوكوف) تمتع بميزتين هائلتين إفتدهما (فون مانشتاين)
الأولي هي أنه يحارب علي أرضه و فعليا لا بديل له سوي الإنتصار..
و الثانية هي أن رئيسه (ستالين) رغم كونه ديكتاتورا دمويا متعجرفا كما تعلمون جميعا إلا أنه عكس (هتلر) كان مكتفيا بدوره السياسي فقط و لم يكن يتدخل في سير المعارك أو الخطط الحربية إلا بالقدر الذي يحتاجه (زوكوف) فقط من شحن للشعب السوفيتي معنويا و إلقاءه في أتون الحرب للدفاع عن روسيا الأم..
لذا فمنذ ابريل 1943م بدأ السوفيت في حفر خنادق طويلة حول المدينة و تم زرع الالاف من الألغام المضادة للدبابات و للأفراد حول المدينة ... كما تم نصب الالاف من المدافع المضادة للدبابات في تلك الخنادق و قام السوفيت بإعادة إصلاح المدن المحررة حديثا و مد خطوط السكة الحديد و رصف و تعبيد الطرق كي يستطيعوا دعم قواتهم بالذخائر و المؤن اللازمة..
و بعد أكثر من 6 اشهر من القتال الدامي جنوب الإتحاد السوفيتي شهدت تلك المناطق هدوءا نسبيا كبيرا في الفترة بين أبريل-يوليو 1943م إستغلها السوفيت علي الوجه الأمثل ..... و لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة ..... و اي عاصفة..
و الان نحن 5 يوليو 1943م ..... و بدأت العملية .... أكبر معركة برية في التاريخ القديم و الحديث .... العملية (زيتادل) ..
يتبع
الدكتور