في السنوات الاخيرة من الحرب العالمية الثانية، المانيا تعاني من نقص في الموارد والوقود، طائرات الحلفاء تقصفها يوميا صباحا ومساء وصل تعداها الى الف طائرة قاذفة بالاضافة الى المقاتلات المرافقة، الحل الوحيد في دفاعات ارضية ومقاتلات تسبق عصرها بمئات السنين، لم تتمكن المانيا من صناعة المقاتلات الخرافية التي كانت تحلم بها، هي كانت جاهزة على الورق ونفذ بعضها وان لم يدخل الانتاج لنفس السبب التي صنعت لاجله وهو نقص الموارد، وكانت دليلا على تفوق الهندسة الالمانية التي وضعت حجر الاساس في علم الطيران والصواريخ الحديثة.
عام 1944، قام عالم الطيران الكسندر ليبسش "من افضل اساتذة علم الطيران في التاريخ" قام بتصميم طائرة اعتراضية تعمل على الفحم تصل سرعتها لاكثر من ضعفي سرعة الصوت، تستعمل محرك رامجيت، هدفها اعتراض القاذفات مثل بوينج بي 17 الامريكية، والافرو لانكستر البريطانية التي امطرت المانيا يوميا بالقنابل ودمرت المناطق الصناعية والمدنية.
محرك الرامجيت
يعتبر ابسط انواع المحركات والمحرك النفاث الوحيد الذي لا يحوي اجزاء متحركة، الا مضحة الوقود التي يمكن ان تكون تربينية، لتبسيط المحرك اكثر اقترح الكساندر استخدام وقود صلب يتم اشعاله بمشاعل تعمل بالغاز لالغاء المضخة المتحركة، له عيبان يجب ان يدركهما المصمم، لايعمل المحرك بكفائته في سرعات اقل من الصوت، المحرك يستهلك وقود باستمرار لانه يوفر دفع مستمر.
يعتبر اول من صمم المحرك هو العالم المجري البرت فونو في عام 1915 كآلية لزيادة مدى قذائف المدفعية "حتى الان تستخدم هذه الطريقة في المدفعية والهاونات" وقدمها للجيش المجري وقتها ورفض اقتراحه، بعد الحرب العالمية الاولى عاد لدراسة المحركات وقدم برائة اختراع للجانب الالماني عام 1928 وبعدها باربع سنوات بعد ان تم دراسة اختراعه حصل على برائة اختراع المانية عام 1932.
فكرة المحرك انه يعتمد على ضغط الهواء عند سرعة عالية للطائرة، يسمى هذا الضغط stagnation pressure وstagnation هي منطقة في بدن الطائرة تكون مقاومة البدن فيها للسريان عالية تؤدي لسرعة سريان صفر وضغط عالي وهو هذا الضغط stagnation pressure، تطير الطائرة بسرعة اعلى من الصوت وتستغل فتحة سحب الهواء intake وتقوم بابطاء سرعة سريان الهواء مقابل زيادة ضغط الهواء، يسمى هذا الجزء من المحرك diffuser ويكون بزاوية منفرجة للخلف divergent يجب دائما ان تكون سرعة سريان الهواء الداخل اقل من الصوت لتحقيق الاحتراق المثالي عند ضغط عالي "او بمعنى اخر تحول الموجة الصدمية shockwave على شكل قمع نتيجة لسرعة الطائرة اعلى من الصوت الى ضغط عالي وسرعة هواء قليلة".
غرفة الاحتراق يتم فيها خلط الوقود مع الهواء الداخل بضغط عالي، بنسبة وقود الى هواء تسمى stoichiometric ratio تختلف حسب نوع الوقود، وهي علم في الكيمياء يختص بدراسة كمية المواد المتفاعلة التي تتفاعل بالكامل و تحقق نواتج مثالية في الاحتراق مثلا: هي النسبة التي تحقق احتراق مثالي، نتيجة لسرعة سريان الهواء يتم استخدام مشاعل محمولة ويتم تغطيتها لحمايتها من ان تنطفيء، تسمى الالية هنا flame holders كما هو موضح في الرسم تكون على شكل طوق من المشاعل المحمية من الهواء، عند اشعال المزيج يتمدد حجم نواتج الاحتراق والهدف ان يتم زيادة الضغط اكثر واكثر، هذا قبل الدخول على المرحلة النهائية وهي المنفث.
المنفث في حالة المحرك الذي يعمل في سرعات اعلى من الصوت، يكون على شكل قمع زاويته من اوله حاده ثم منفرجه "انظر في التعليقات رسم توضيحي" يقوم بتحويل ضغط وحرارة نواتج الاحتراق والتي سرعتها قليلة الى ضغط وحرارة قليلة مقابل سرعة نفث عالية، سرعة نواتج الاحتراق هي التي تولد دفع، طبقا لقانون بقاء كمية التحرك، وزن المركبة ضرب سرعتها=وزن نواتج الاحتراق ضرب سرعة النفث + فرق الضغط ضرب مساحة مقطع النوزل الخارجية "لا تساهم كثيرا في الدفع".
في الرسم الجانبي التوضيحي تظهر اجزاء المحرك والشكل البيضاوي عبارة عن شبكة على شكل بيضة تحوي جزيئات الفحم، في وسط الكره البيضاوية طوق من المشاعل، لتحقيق احتراق مثالي يتم ادارة الكرة حول محورها بمعدل 60 لفة في الدقيقة، الوقود للمشاعل ياتي من خزان غازي، في مقدمة المحرك diffuser ونهايته المنفث هو بسيط جدا، لكن تصميمه معقد كي تصل لهذا الشكل النهائي يحتاج تجارب، قام الكساندر بعمل تجاربه في نفق هواء سريع "يعتبر الالمان اول من استخدم انفاق الهواء لاختبار الطائرات" هذا بعد ان بنى نموذج للطائرة تطير شراعيا "هواية هذا الرجل بناء اشكال غريبة وكان ينظم مسابقات للشباب للطائرات الورقية والشراعية" كان الالمان قبل بناء الطائرة يبنون نموذج شراعي لها ويتم تدريب الطيارين عليه بان تقوم طائرة بمحرك تقوم بقطر الطائرة الشراعية بها الطيار الذي يتدرب عليها "مثل محاكي الطائرات الحديث" ولكنه افضل من المحاكي لانه يدرب الطيار عمليا على الطيران الشراعي لان اغلب الطائرات المتطورة مثل مي 163 الصاروخية كانت تهبط شراعيا، المشاعل تبدأ عملها فور وصول الطائرة لسرعة حوالي 320 كم في الساعة اما عن طريق دفع صاروخي JATO او عن طريق حملها على ظهر طائرة اخرى.
يدخل الهواء من الامام ويختلط بالفحم المحترق ثم بعد ذلك يدخل هواء نظيف من فتحة سحب منفصلة تختلط مع كل هذا ويدخل الناتج على منفث، تم تجربة المنظومة في فيينا قبل نهاية الحرب واثبتت كفائتها.
الطائرة لم يكتمل العمل عليها لظروف الحرب، ما عثر عليه من مواد وتصميمات ونسخ اولية تم شحنة الى الولايات المتحدة لدراسته في ناسا، كانت ستكون مسلحة برشاش او اثنين مثل مارك 103 عيار 30 ملمX 184 ، او صاروخين جو جو موجه مثل رورشتال اكس 4، لو طارت هذه الطائرة واختراعات اخرى لاحدثت خسائر رهيبة في طيران الحلفاء.
اذكر شهادة احد الجنود العاملين على طائرة بي 17 وكان يستعمل رشاشات البراونينج نصف بوصة للتصدي لطائرات مي 262 النفاثة يصف فيها سرعة الطائرة النسبية "كاننا نطلق على المراوح" حيث في الحرب العالمية الاولى كانت الطائرة المقاتلة يتم فيها تركيب الرشاش خلف المروحة، ويتم ضبط معدل الاطلاق "او باستخدام اليه ميكانيكية تتصل بالمروحة" بحيث يعبر الرصاص خلال المروحة وهي تدور، كناية عن سرعة الطائرة العالية وكانت المي 262 غير سريعة مقارنة بالبي 13 ليبسش!
بعد الحرب سافر الكسندر ليبسش الى امريكا وعمل في شركة كونفاير مثل الكثير من العلماء الالمان ساهموا في تطور الصناعات العسكرية في امريكا وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول.
هذا فيديو لا اعرف مدى دقته يظهر الطائرة وهي تطير في وقت ما في المانيا!
https://www.youtube.com/watch?v=MvtxjSrImHw
☼عباس بن فرناس☼