حرب الخليج الثانية - عاصفة الصحراء - أم المعارك (الجزء الثالث)

حرب الخليج الثانية

الجزء الثالث

مرت حرب الخليج الثانية بثلاث مراحل رئيسية ممثلة بثلاث عمليات عسكرية
العملية العسكرية الأولي كانت العملية Desert Shield أو درع الصحراء و التي كانت قيام قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالإنتشار في السعودية لحمايتها من أي إعتداء عراقي..

العملية العسكرية الثانية كانت العملية Desert Storm أو عاصفة الصحراء و كانت بعد صدور قرار مجلس الأمن بإعطاء مهلة ست أسابيع للقوات العراقية للإنسحاب من (الكويت) و إلا سيتم تحريرها بالقوة و تمثلت تلك العملية بالحملة الجوية الكبري و التي إستمرت من 17 يناير حتي 24 فبراير علي أمل إجبار القوات العراقية علي الإنسحاب من الكويت دون الحاجة لعملية برية و هو ما أثبت فشله..

العملية العسكرية الثالثة و الأخيرة كانت العملية Desert Saber أو نصل الصحراء و هي بدء العملية البرية لتحرير (الكويت) و التي إستمرت من 24 فبراير حتي صباح 28 فبراير (أقل من 100 ساعة) و أنتهت بنصر حاسم لقوات التحالف..

توقفنا في الحلقة الماضية عند قيام الجنرال (تشوارزكوف) بتحريك قاذفات البي-52 العملاقة لقصف الخطوط الأمامية للجيش العراقي في الكويت إستعدادا للحرب البرية و كما قلنا كان رد الرئيس (صدام) هو قيامه بحرق أبار البترول في الكويت و الان إنتهت العملية Desert storm و بدأت عملية نصل الصحراء..

ملحوظة جانبية: طبعا التفوق العددي كان لصالح (العراق) و بقوة و لكن الفارق بين دبابات الأم1 أيه1 أبرامز الأمريكية و التشالنجر 1 البريطانية من جهة و نظيراتها العراقية الروسية تي-72 و الصينية تايب-69 لم يكن هنيا ..... و الفارق التدريبي بين الجانبين لم يكن هينا أيضا (لصالح جنود التحالف بالطبع) .... دعك طبعا من السيطرة الجوية التامة لقوات التحالف بالإضافة إلي إستعمالها لتقنية الجي بي اس ممكن مكنهم من التحرك داخل العراق و الكويت بسهولة و يسر لا تتوفر للجيش العراقي!!!!

طبعا من قرأ مذكرات الجنرال (شوارزكوف) سيجد أن الرجل يزعم أنه عوض الفارق العددي الكبير بين الجانبين بإستعمال نفس التكتيك الذي إستعمله القائد القرطاجي الكبير (حنا بعل برقا) في معركة (كاناي) الشهيرة و التي أباد فيها (حنا بعل) الجيش الروماني عن بكرة أبيه .... طبعا هذا مجرد تجويد لا معني له و لكن الرجل معذور يريد أن يشعر أنه قائد عسكري فذ بقامة (حنا بعل)...

علي أي حال..

في الواقع لم يكن الغرض من العملية (نصل الصحراء) تحرير الكويت فقط ... بل كان هناك غرض أخر ... تحطيم الجيش العراقي كي لا يشكل أي تهديد مستقبلي لأيا من جيرانه حلفاء (الولايات المتحدة) و (بريطانيا) و نعني بهذا طبعا دول (الكويت و السعودية و إسرائيل) لذا فرغم موافقة (العراق) علي إتفاقية وقف إطلاق النار التي طرحها السوفيت في مجلس الأمن بتاريخ 22 فبراير و التي تضمنت إنسحاب (العراق) من (الكويت) إلا أن قوات التحالف رفضت تلك الإتفاقية..

و الان بدأت المعركة البرية و التي يعول عليها (صدام) كثيرا لإحداث خسائر جسيمة بالجيش الأمريكي و إجباره علي الإنسحاب نحو (السعودية) و إيقاف الحرب .... و لكن كما تعلمون كان الرجل (((كالعادة))) مخطئا جدا جدا في تقديراته..

ففي 24 فبراير 1991 تقدمت الفرقة الأولي و الثانية من قوات المارينز مصحوبة بالفرقة الأولي مش ميكا بالإضافة إلي قوات كويتية و بريطانية (حوالي 150 الف جندي و 1500 دبابة) و بدعم من كتائب المدفعية داخل الأراضي الكويتية لتحريرها من الجيش العراقي و لم تواجه القوات الأمريكية المتقدمة أي مقاومة حقيقية بإستثناء بعض الألغام و الأسلاك الشائكة فالقوات العراقية لم تقوم ببناء أي إستحكامات دفاعية حقيقية داخل (الكويت) فبعد حوالي 40 يوما من القصف الجوي المكثف كانت الروح المعنوية للجنود العراقيين في اسوأ احوالها و كانوا يبحثون عن إنهاء هذا الكابوس باي شكل لذا كانوا يستسلمون بسهولة للقوات الأمريكية و بعد ثلاثة أيام و في 27 فبراير أصدر الرئيس العراقي (صدام حسين) امره للقوات العراقية المتبقية بالإنسحاب من (الكويت) و كانت خسائر قوات التحالف أثناء تحرير (الكويت) حوالي 10 مقاتلات كلها بواسطة الدفاعات الجوية العراقية..

و لكن كما قلنا لم يكن الغرض هو تحرير (الكويت) فقط بل كان المطلوب هو إنهاء الجيش العراقي و الإجهاز عليه تماما..

لذا ففي 24 فبراير لم يكتف الأمريكان بهجومهم علي القوات العراقية داخل (الكويت) بل قامت فرقتين أمريكتين (واحدة مدرعة و الأخري مش ميكا) بمعاونة فرقة مشاة فرنسية بعبور الحدود الغربية للعراق لإعتراض فرق الحرس الجمهوري العراقي و منعها من الإنسحاب بأمان للعراق و فعلا بدأت دبابات الأم1 ايه1 ابرامز الأمريكية بمعاونة مدرعات البرادلي أم2 في مواجهة دبابات التي-72 العراقية و طبعا كانت النتيجة مجزرة كبري لدبابات التي-72 ..... فأقصي ما كان يستطيع مدفع التي-72 فعله هو خدش درع الأم1 أيه1 و إزالة الطلاء من عليه ..... في الواقع لم تفقد (الولايات المتحدة) سوي مدرعة برادلي أم2 واحدة فقط و 6 جنود قتلي و 30 مصابا في معاركها مع الحرس الجمهوري العراقي!!!!!

و في 25 فبراير أطلق العراق صاروخ السكود الأخير في حربه اليائسة و الذي سقط في معسكر للقوات الأمريكية بالظهران في (السعودية) مما أدي لمقتل 28 جندي أمريكي..

و في يوم 27 فبراير كانت القوات العراقية المنسحبة من (الكويت) مكدسة علي الطرق السريعة التي تربط بين العراق و الكويت و قامت مقاتلات الأيه-6 (إنترودر) الأمريكية بإرتكاب مجزرة كبري حيث قصفت الأرتال العراقية بشدة وفي ظرف 10 ساعات كان العراق قد فقد أكثر من 2000 عربة (من مختلف الأنواع نقل و دبابات و مدرعات) و حوالي 10الاف جندي و أكملت قوات التحالف مطاردة فلول الجيش العراقي داخل حدود (العراق) حتي مسافة 200كم من (بغداد) عرف هذا الطريق السريع باسم طريق الموت السريع!!!!!
طبعا بدأت الأصوات تتعالي من أجل قيام قوات التحالف بدخول (بغداد) و الإجهاز علي (صدام) و لكن شعر (شوارزكوف) أن الأمور هكذا جيدة و أن المجزرة الأخيرة التي إرتكبتها قواته ضد القوات العراقية المنسحبة بدأت تسحب من رصيده لدي جمهوره حول العالم المستمتعين بمشاهدة تلك المعركة علي شاشات السي أن أن لذا وجد أن هذا هو الوقت المناسب لوقف إطلاق النار و إعلان الإنتصار..

و هكذا و بعد أقل من 100 ساعة فقط من بدء المعارك البرية كانت دولة (الكويت) محررة و تم إعلان الإنتصار و وقف إطلاق النار و كان أداء الجيش العراقي (كعادة كل الجيوش العربية) سيئا جدا جدا جدا..

خسائر الحرب:
بالنسبة للجانب المنتصر فكانت الخسائر كالتالي :
- الولايات المتحدة الأمريكية: خسرت تقريبا 294 جندي و حوالي 63 طائرة في الحرب من ضمنهم طائرة إف-15 و أخري إف-14 و واحدة أيه سي-130 و 2 إف-18 و 6 أيه-10
- السنغال: خسرت السنغال 92 جنديا أثر تحطم طائرة سي-130 سعودية كانت تقلهم داخل السعودية مما تسبب بوفاة جميع من كانوا داخل الطائرة
- بريطانيا: خسرت 47 جندي
- السعودية: خسرت 18 جندي
- مصر: خسرت 11 جندي
- أما الكويت و الإمارات و فرنسا فخسرت كل دولة منهم جندي واحد فقط.

بالنسبة للجانب المهزوم فالخسائر كانت فادحة:

- طبعا من الصعب جدا تحديد الخسائر التي حدثت في الأرواح و لكنها لا تقل بأي حال من الأحوال علي 35 الف جندي و بالنسبة للمعدات فالعراق خسر حوالي 4000 دبابة و 3100 قطعة مدفعية و 1800 عربة نقل و حوالي 240 طائرة من مختلف الأنواع و لكنه في النهاية و قبل مغادرة الكويت قام بإشعال 727 بئر بترول من اصل 1080 بئر في (الكويت) و كما نعلم فبعض هذه الابار ظلت مشتعلة لسنين طويلة مما أدي إلي خسارة مادية فادحة للكويت لا تقدر بثمن!!!!!

ما بعد الحرب:
في الواقع ظل جنرالات الجيش العراقي محتفظين بولائهم لصدام فرغم وعد الأمريكان للأكراد في الشمال و الشيعة في الجنوب بدعم مطالبهم و بدء الأكراد و ميليشيات (البشمركة) في إثارة القلاقل شمالا و قيام الشيعة بزعامة (محمد باقر الحكيم) في تكوين ميليشيات جنوبا و لكن الجيش العراقي (بإستعمال ما تبقي من قوته الجوية) قام بسحق الحركة الكردية المطالبة بالإستقلال و الحركة الشيعية أيضا ... و علي مدار أكثر من شهر قتل أكثر من 200ألف عراقي من جميع الأطياف مما تسبب في هروب مئات الالاف من الأكراد و الشعية إلي (تركيا) و (إيران) و في النهاية إضطر مجلس الأمن للإجتماع و إتخاذ القرار بفرض الحظر الجوي علي المناطق الشمالية و الجنوبية للعراق!!!!!
و لم ينس الكويتيون موقف الفلسطينيين و زعيمهم (ياسر عرفات) و المؤيد لصدام لذا قاموا بطرد حوالي 200ألف فلسطيني من (الكويت) و فر معظمهم للأردن
و أيضا السعوديين لم ينسوا أن (اليمن) كان مؤيدا لصدام لذا تم طرد عشرات الالاف من اليمنيين من (السعودية)..

رأيي شخصي:
كما نعلم كانت مطالب (العراق) قبل إحتلال (الكويت) ثلاثة:
1- تعويض قدره 10 مليار دولار
2- إيقاف كل أعمال التنقيب التي تقوم بها (الكويت) في حقل (الرميلة)
3- الإتفاق علي أسعار عادلة لبيع البترول و تحت رعاية الأمم المتحدة
كما ترون هي مطالب عادلة إلي حد كبير فكما نعلم الرجل خاض الحرب العراقية/الإيرانية (و التي تسببت بتدهور الحالة الإقتصادية للعراق) بإيعاز من دول الخليج و دفاعا عن دول الخليج ضد الثورة الإيرانية ..... طبعا نحن نري الوضع الان هناك بعد إنهيار العراق و لا داعي للشرح فمبلغ 10 مليار دولار يعتبر بسيط جدا بالنسبة للحماية التي كان (صدام حسين) يوفرها لدول الخليج .... و دول الخليج دفعت أضعاف أضعاف هذا المبلغ للولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا و مصر و ها هي (إيران) تشاركهم أسرتهم و غرف نومهم حاليا
و كما نعلم فبعد الحرب قامت السعودية بدفع مبلغ 9 مليار دولار لمصر نظير مشاركتها (المحدودة) في الحرب و ذكرت المصادر الأمريكية الرسمية أن المبلغ الذي دفعته (السعودية) للولايات المتحدة نظير مجهوداتها الحربية (الكبيرة جدا) كان أكثر مما توقعت (الولايات المتحدة) نفسها.
فأنت تتحدث عن 6 حاملات طائرات و بارجتين و حوالي 900 طائرة و تقريبا 540 ألف جندي فإذا كانت (السعودية) دفعت لمصر التي فعلت لا شئ تقريبا سوي أنها - بجوار (سوريا)- كانتا المحلل للموضوع 9 مليار دولار فكم تقدرون المبلغ الذي دفعته لجيش الولايات المتحدة الأمريكية؟؟؟؟؟؟؟ اترك لخيالكم تقدير المبلغ و أنا واثق أنه مهما فكرنا فلن نقدر المبلغ الصحيح..
كل ما حدث هو أن الخليج إستبدل البلطجي العربي العراقي (اللي كان هيقتنع ب 10 مليار دولار) بالبلطجي الأجنبي الأمريكي اللي خد مش أقل من 100 مليار دولار

في النهاية..

أظن أنه واضح جدا أن بعض الليونة الدبلوماسية كانت قادرة علي حل المشكلة تماما و أنه لم يكن هناك داع لكل هذا و أن التدمير الذي أصاب الكويت و المنطقة كلها فيما بعد تم بسبب غباء (صدام) من جانب و بسبب الخيانة و العمالة علي الجانب المقابل .

الدكتور