حرب الخليج الثانية - عاصفة الصحراء - أم المعارك (الجزء الأول)

حرب الخليج الثانية

الجزء الأول

****************************************************************

حرب الخليج الثانية .... أو عاصفة الصحراء طبقا للتسمية الأمريكية أو أم المعارك طبقا للتسمية العراقية سميها زي ما تسميها

هي بلا منازع أسوأ شئ حدث لي و لأبناء جيلي ..... و لا ينافسها في السوء سوي حرب 1967م (او النكسة طبقا للتسمية الناصرية) .... فهذه المعركة هي التي فتحت الباب للتدخل الأمريكي في الخليج العربي خاصة و في الشرق الأوسط عامة ..... هذه المعركة هي التي كتبت شهادة وفاة فكرة القومية العربية فلأول مرة في تاريخ العرب الحديث تقف الجيوش العربية الثلاث الكبري (مصر و العراق و سوريا) ضد بعضها البعض و هم كانوا كالبنيان المرصوص في 1973م ..

أكرهها و أكره كل من شارك بها و لكن لنا فيها الكثير من العبر ..... فرغم أنها أهم حدث منذ الحرب العالمية الثانية برأيي (أهم من إنهيار الإتحاد السوفيتي) إلا أن معظمنا يجهل تفاصيلها...
نبذة تاريخية

كان العراق يعتبر الكويت جزءا لا يتجزأ منه منذ نشأة دولة الكويت (بأمر بريطاني طبعا) في 1922م فما يعرف بالعراق كان يسمي بولاية البصرة اثناء الحكم العثماني و كان يشمل الكويت بالطبع .... و لكن بعد هزيمة دولة الخلافة في الحرب العالمية العالمية الأولي (بفضل العرب ال سعود في الحجاز و الشريف الحسين في الأردن) خرجت دولة الكويت للنور ..... و لكن لم ينس العراقيون منذ هذا الوقت أن هذا جزء لا يتجزأ من العراق و كانوا دائما ما يطلقون علي الكويت المحافظة رقم 19..


البداية

خرج العراق من حرب الخليج الأولي (ضد إيران) مثقل بالديون و علي شفا الإفلاس فصحيح أن (صدام) إستطاع تكوين جيش إعتبره الخبراء وقتها خامس أكبر جيش في العالم و لكن مثل هذا الجيش إحتاج لميزانية ضخمة لم تتوفر للعراق حتي وقتها ..... و دولتي الكويت و الإمارات خالفتا تعليمات منظمة (أوبك) بزيادة إنتاج النفط (من اجل أسيادهم في إنجلترا و الولايات المتحدة طبعا) مما خفض سعر برميل البترول من 18 دولارا إلي 10 دولارات فقط مسببة خسارة سنوية للعراق لا تقل عن 7 مليار دولار سنويا .... إشتكي العراق كثيرا من هذا الوضع في ظل الأزمة الإقتصادية المتردية و الديون المتراكمة و إستمرار الكويت بالقيام بأعمال التنقيب عن البترول في حقل (الرميلة) و الذي يعتبر العرقا أنه يقع في حدوده .... بل إن الرئيس الراحل (صدام حسين) أعلنها صريحة في مؤتمر القمة العربية في القاهرة في 30 مايو 1990م ((( قطع الأعناق ..... و لا قطع الأرزاق)))

الجيش العراقي بعد انتصاره في حرب الخليج الأولى

و في 15 يوليو 1990 أرسل (صدام) للجامعة العربية طلباته بل أنه هدد دولتي الكويت و الإمارات مباشرة بإتخاذ إجراءات عسكرية ضدهما متهما إياهما أنهما ينفذان مخططات أمريكية في المنطقة تتعارض مع المصالح العربية و الأمن القومي العربي .... و حشد حوالي 30 الف جندي عراقي علي الحدود مع الكويت

و كان من أثر ذلك أن إستنجدت تلك الدول بالولايات المتحدة ااتي شرعت في إرسال حاملة طائرات و مدمرات للخليج العربي و أعلنت الولايات المتحدة صراحة ((أنها ستقف بجوار اصدقائها)) ..... و علي اثر هذا التصريح إستدعي (صدام) السفيرة الأمريكية و قال لها ((نحن لا نعتبر الولايات المتحدة عدوة و لكن واضح انكم تعتبروننا أعداء ... صحيح أننا لن نستطيع ان نرسل قواتنا للمياه الأمريكية و لكن كل شخص يستطيع إيذاء الأخر في حدود إمكاناته جيوشنا لن تصل إليكم و لكن مواطنيننا سيفعلون .... كنا نتمني ان نكون أصدقاؤكم و لكن واضح أنكم لا تعتبروننا هكذا)) 

و طلب الرئيس المخلوع (مبارك) بعقد قمة عربية طارئة في جدة بالسعودية في 31 يوليو 1990 و ظن الرئيس أن الموضوع قد تم حله بسلام .... فالعراق طلب تعويضا فوريا من الكويت يبلغ 10 مليار دولار و وافقت دولة الكويت علي دفع 9 مليار و ظن الجميع أن المشكلة كادت أن تنتهي

و كان نتاج هذا الإجتماع الطارئ أن قام العراق بغزو الكويت بعدها بيومين فقط ..... طبعا الفارق بين القوتين كان مهولا .... فالجيش العراقي بعد إنتهاء حرب الخليج الأولي كان تعداده يناهز المليون جندي و كان يمتلك 27 فرقة قتالية عالية التجهيز بالإضافة إلي عشرات الكتائب و الألوية المقلة و حوالي 700 مقاتلة و 250 هيليكوبتر هجومية و 5500 دبابة و أعداد لا حصر لها من وسائل النقل .... علي الناحية الأخري كان جيش الكويت مكونا من 16 ألف جندي موزعين علي ثلاث فرق مش ميكا و فرقة مدرعة و كتيبة مدفعية و حوالي 80 مقاتلة فقط!!!!

طبعا تم سحق الجيش الكويتي بسهولة و في ظرف 12 ساعة كانت قوات المظلات العراقية داخل البرلمان الكويتي و القصور الملكية (بعد أن أثبتت العائلة المالكة شجاعة غير عادية و هربت في سويعات معدودة) و في ظرف يومين فقط كان العراق قد أحكم قبضته علي الكويت تماما
و للمرة الثالثة في ظرف أسابيع معدودة تنعقد القمة العربية و التي طالبت بالوصول لحل سلمي للصراع و حذرت من أي تدخلات أجنبية خارجية ...

الدبابات العراقية في شوارع الكويت

طبعا بعد الإحتلال العراقي للكويت أصبح العراق يسيطر علي حوال 1/5 من إحتياطيات البترول العالمية و اصبح الحقول الشرقية السعودية علي مرمي البصر و لو إستطاع العراق السيطرة عليها فسيمتلك الرئيس (صدام) ½ الإحتياطيات العالمية من النفط
إستطاعت بريطانيا و الولايات المتحدة عقد إجتماع طارئ لمجلس الأمن و إنتهي بالقرار 661 و 665 و تم توقيع عقوبات إقتصادية علي العراق مع حثه علي إنهاء الإحتلال و الإنسحاب دون قيد أو شرط
في 12 أغسطس 1990م اعلن الرئيس (صدام) إستعداده لإنهاء الإحتلال علي أن يتم إنهاء جميع حالات الإحتلال في الشرق الأوسط (أي الإحتلال الصهيوني لسوريا و فلسطين و الأردن) و الإحتلال السوري للبنان و رفع العقوبات الإقتصادية عن العراق و إستبدال القوات الأمريكية المرابطة في السعودية بأخري عربية مشتركة لا تشمل مصر!!!!!!

و في 23 أغسطس أعلن الرئيس (صدام) تنازله و قبل ان ينهي إحتلال الكويت مقابل رفع العقوبات الإقتصادية عن العراق و سيطرة العراق علي حقل (الرميلة) النفطي و قيام الأمم المتحدة بتحديد أمور إنتاج البترول بشكل مرضي لجميع الأطراف ..... و هي شروط معقولة في رأيي و لكن عجلة الحرب كانت قد دارت رحاها

فالمسئولين الأمريكان و البريطانيين بدأوا بالوفود إلي الرياض للتفاوض مع (فهد) علي إرسال قوات كبري إلي المنطقة الشرقية لحماية السعودية (التي كانت تمتلك وقتها مقاتلات تورنادو ب 43 مليار جنيه إسترليني و إف-15 و طائرات أواكس إي 3 سينتري) .... فالمسئولين الغربيين كانوا يخشون أن يكون حشد الجنود (الغير مسلمين) في مهد الإسلام في العالم عاملا مثيرا لمشاعر المسلمين في جميع انحاء العالم مما قد يهدد المصالح الغربية في معظم الدول العربية و الإسلامية فهم يعلمون (اكثر من ال سعود) أن إقامة غير المسلمين في السعودية بجوار المشاعر المقدسة يحمل كثير من المحاذير بالنسبة للمدنيين فمابالكم ب250 ألف بكامل سلاحهم و معهم القساوسة و الحاخامات المصاحبين لهم و الذين يخدمون في الجيشين الأمريكي و البريطاني .... علي اي حال يقدم حكام المملكة و شيخوها كل الدعم المادي و المعنوي اللازم لوجود هؤلاء الجنود بهم

يري الرئيس الأمريكي (جورج بوش) و رئيسة الوزراء البريطانية (تاتشر) أن الأمر لا يمكن ان يتم هكذا و لا يريدون ان يبدو كما لو كانت حربا بين الولايات المتحدة و بريطانيا و دولة عربية أو مسلمة أخري فيعملون علي تكوين تحالف دولي واسع و إهتموا جدا بوجود دول عربية اخري معهم و لم يتأخر النظام المصري و شقيقه السوري عن تلبية النداء

يوما بعد يوم يزداد التحالف الأمريكي و البريطاني قوة .... فهو مكون من 350 الف جندي من 30 دولة حول العالم و 6 حاملات طائرات في مياه الخليج تشغل ما يزيد عن 400 مقاتلة تحت قيادة الجنرال الأمريكي (نورمان تشوارزكوف) و كل تلك القوي تعمل تحت غطاء رسمي من مجلس الأمن في مهمة رسمية لحماية المملكة السعودية من اي غزو عراقي

و في 29 نوفمبر 1990م اجتمع مجلس الأمن و اتخذ القرار رقم 678 و الذي يقضي بتحويل مهام قوات التحالف السعودية من الدفاع للهجوم حيث اعطي العراق مهلة 6 اسابيع للإنسحاب و إلا ستتخذ القوات ما يلزم

مجلس الأمن يجتمع ويتخذ قرار رقم 678

كان الرئيس (صدام) يثق إلي حد بعيد ان الولايات المتحدة لن تجرؤ علي الدخول في حرب مفتوحة معه ... فتجربة فيتنام لازالت ماثلة امام العيان لدي الأمريكان و هو يمتلك الاف الأسلحة الكيماوية التي ممكن ان تسبب خسائر بالالاف في قوات التحالف و قد إستعملها ضد الأكراد في بلاده منذ سنتين فقط!!!!

و لكن الولايات المتحدة لم تكن لتترك الأمور و الإحتمالات مفتوحة هكذا ... فطلب وزير الخارجية الأمريكي (جيمس بيكر) الإجتماع بنظيره العراقي (طارق عزيز) قبل الحرب بشهر في (جينيف) و حذر الوزير الأمريكي نظيره العراقي بكلمات لا تحتمل اللبس أو التأويل (( إياكم و إستعمال السلحة الكيماوية فلو أنكم تمتلكون اسلحة كيماوية فالولايات المتحدة تمتلك اسلحة نووية و قادرة علي محو العراق من الوجود))

لم تسفر الإجتماعات عن اي شئ و حتي يزيل (جورج بوش) مخاوف الأمريكان من (فيتنام) اخري خرج للشعب الأمريكي في خطاب شهير قائلا ((كل جندي علي الأرض سيكون خلفه ما يضمن له النصر تماما و ما يضمن له أيضا الخروج بعد النصر))

و في 15 يناير 1991م إنتهت المهلة التي حددتها الأمم المتحدة و بدأت الحرب ..... عاصفة الصحراء أو بالعراقية أم المعارك

يتبع -- الجزء الثاني

الدكتور