نبذة تاريخية:
صعد الشاه (محمد رضا بهلوي) لحكم بلاده خلفا لأباه في 1941م و في هذه الفترة كانت سلطاته شكلية أكثر منها فعلية حيث كانت (إيران) دولة حرة إلي حد ما و كانت معظم الصلاحيات التنفيذية الفعلية بيد رئيس الوزراء المختار بواسطة البرلمان المنتخب من الشعب .... و لكن بعد صعود (محمد مصدق) لسدة الوزراء في 1951م و محاولاته الدؤوبة لإخراج بلاده و خاصة شركات النفط بها من سيطرة الشركات الأمريكية و البريطانية الكبري بالإضافة إلي سياساته المعادية لرجال الأعمال و الأغنياء و فرض الضرائب عليهم .... لم تتحمل (بريطانيا) و (الولايات المتحدة) تأميم شركات النفط الإيرانية/الأمريكية الكبري و بدأت بيعاز (محمد رضا بهلوي) للإطاحة بمصدق و إحكام قبضته الديكتاتورية علي البلاد .... و فعلا في أغسطس 1953 تمت الإطاحة بمصد و أصبح (محمد رضا بهلوي) الحاكم الفعلي و الوحيد للبلاد منذ ذلك الوقت .... و بدا في حكم بلاده بالحديد و النار و لم يتوان كل الرؤساء الأمريكان المتعاقبين عن الإشادة بحكمته و نزاهته و كيف أنه محبوب من جميع الإيرانيين ...... و كانت النتيجة.
ففي يناير 1979م و نجحت الثورة الإيرانية و هرب الشاه (محمد رضا بهلوي) إلي عدة دول منها مصر و المغرب و المكسيك و تحاشت (الولايات المتحدة) إستقباله حتي لا تحدث بينها و بين النظام الجديد الذي لم يتبلور بعد في (إيران) اي مشاكل ..... و لكن الشاه كان يعاني من بعض المتاعب الصحية (حصوات بالمرارة) و سرطان ليمفاوي و اصر الرجل علي إجراء العملية الجراحية في (الولايات المتحدة الأمريكية) ..... و رغم قيام كل المستشارين الأمريكيين الخاص للرئيس (كارتر) بنصحه برفض علاج الشاه في الولايات المتحدة و أن ارض الله واسعة ممكن يتعالج في أي حتة خاصة أن الإدراة الأمريكية حتي هذه اللحظة كانت تحتفظ بعلاقات لا بأس بها مع قادة الثورة الإيرانية و لم توقف التعاون العسكري إلا أن الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) بعد ضغوطات من وزير الخارجية (هنري كيسنجر) قرر قبول الشاه في (الولايات المتحدة) للعلاج مع شرط أن يخرج منها فورا بعد قضاء فترة النقاهة ..... و فعلا إستقبلت (الولايات المتحدة) الشاه و أجري الجراحة بها في أكتوبر 1979م ..... و لم يخرج من الولايات المتحدة مباشرة ... بل استمر بها.
و هنا لم يتحمل الثوار الإيرانيين الوضع ... فهم لم ينسوا أن الأمريكان هم من أطاحوا برجلهم المفضل (محمد مصدق) و هاهم الان يؤون الديكتاتور الدموي في بلادهم ... و في 4 نوفمبر 1979م إقتحم الطلبة الإيرانيين الإسلاميين السفارة الأمريكية و اسروا كل الدبلوماسيين العاملين بها .... و كان عددهم 52.
بعد فشل كل المحاولات الدبلوماسية التي أجرتها الإدارة الأمريكي للإفراج عن الدبلوماسيين قرر الرئيس (كارتر) اللجوء للحل العسكري ..... و كان مخلب النسر.
التخطيط للعملية:
في الواقع أقل ما يمكن أن توصف به تلك العملية هي أنها بمنتهي الجرأة .... فالعملية لن تستمر لساعة أو بضع ساعات ... بل ستستمر ليومين ... 24 و 25 أبريل 1980م .... و قبلها بثلاثة أسابيع ستقوم فرق الإستخبارات الأمريكية بالنزول في صحاري إيران لإختيار المكان الأمثل للهبوط و زرع وحدات الإضاءة علي ممرات الهبوط المفترض حتي تسهل من قيام طائرات السي-130 بالهبوط ليلا في الأماكن المختارة.
و كانت الخطة كالأتي:
- في 24 ابريل ليلا ستأتي 3 طائرات EC-130 و التي تحمل القوات الحاصة المريكية دلتا و معها أسلحتها اللازمة لتنزل القوات في صحراء (جابهار) الإيرانية علي بعد 500كم جنوب غرب (طهران) ..... ثم تأتي 3 طائرات MC-130 تحمل المعدات الخاصة للقوة التي ستقود العملية .... ثم تاتي طائرة سي-130 محملة ب20ألف لتر وقود طائرات لتقوم بإلقائه عند القوات المتمركزة.
- ثم تأتي 8 طائرات هيليكوبتر نقل من طراز RH-53 للموقع حيث يتم تموينها بالوقود الموجود هناك و من ثم تأخذ الجنود في رحلة إلي نقطة الإنزال 2 و التي تقع جنوب طهران بحوالي 80كم فقط.
- و قتها تكون الشمس قد اشرقت فتختبأ القوات الأمريكية هناك منتظرة الليلة الثانية و التي ستشهد عملية تعتبر بلا منازع أكبر عملية لقوات خاصة في القرن العشرين
- ففي ليلة ال25 من ابريل ستقوم قوات الدلتا الأمريكية بالإنقسام لقسمين .... قسم سيذهب لقاعدة المنصورية الجوية و يقوم بإحتلالها ..... و القسم الأخر سيدخل (طهران) في أوتوبيسات مخصصة سيقوم بعض عملاء السي أي أيه داخل طهران بإختطافها بعد قطع كامل الكهرباء عن المدينة و سيذهب صوب السفارة لتحرير الرهائن و من ثم الذهاب فستاد (طهران) الدولي و إنتظار طائرات الهيليكوبتر سي-53 لنقلهم إلي قاعدة المنصورية الجوية من أجل إنتظار طائرات النقل العملاقة سي-141 لنقلهم و الرهائن خارج (إيران) و تحت غطاء مقاتلات الإف-14 تومكات و الإفف-4 فانتوم و الAC-130 ... طبعا تم دهان مقاتلات الإف-14 و الإف-4 المشاركة في العملية بالأسود و البرتقالي لتفريقهما عن مقاتلات الفانتوم و التومكات الإيرانية ... فلا ننسي أنه في ذلك الوقت كان الجيش الأيراني جيشا امريكيا خالصا.
-----------------------------
كما قلنا كانت مهمة السي أي أيه الرئيسية هي توفير الأتوبيسات التي ستقل فريق الإنقاذ من موقع الإنزال (2) و الذي يقع حوالي 80كم جنوب (طهران) و هذا بالإضافة طبعا إلي جمع المعلومات الإستخبارتية عن موقع السفارة الأمريكية في (طهران) و مكان إحتجاز الرهائن داخل السفارة و القوة الإيرانية التي تحرس السفارة و طبيعة توزيعها و تسليحها و كيفية الوصول إليها بالأتوبيسات في اقل وقت ممكن.
و إختار السي أي ايه لتلك المهة ضابط قوات خاصة أمريكية متقاعد و هو الرائد (جون ميدوز) و الذي تقاعد في 1977م و شهد الرجل الحرب الكورية و حرب فيتنام و ابلي فيهما بلاء حسنا.
و أنتحل (ميدوز) صفة رجل أعمال أيرلندي يعمل مع شركة (بيجو) الفرنسية .... طبعا بسبب فشل العملية لم يتم الكشف عن الأدوار التي قام بها (ميدوز) بالضبط و لولا أن الإيرانيين وجدوا وثائق معينة تذكر اسمه ما عرف الرجل قط ..... علي اي حال قام الرجل بدوره المطلوب و إستطاع توفير الأتوبيسات في الوقت و المكان المطلوب و رغم كشف الإيرانيين عن هويته إلا أنه نجح في الهروب من (طهران) بجواز سفره الأيرلندي.
و كان للرجال السي أي أيه في (إيران) مهمة أخري و هي تجهيز مكان الهبوط الليلي و المعروف بdesert 1 و الخاص بطائرات الEC-130 و التي ستقل أفراد قوات الدلتا التي ستقوم بالمهمة و أختيار المكان الأمثل للهبوط و تجهيزه بأضواء لتكشف الممر ساعة الهبوط و الذي سيتم ليلا.
و في تمام الساعة ال8:00مساء بتوقيت (طهران) أقلعت طائرة الEC-130 الأولي من القاعدة البريطانية في جزيرة (المصيرة) العمانية و وصلت لمكان الهبوط المتفق عليه الأول Desert 1 في تمام الساعة 10:45 مساء بتوقيت (طهران) و بدأت طائرات الEC-130 الهبوط في الممرات الصحراوية و التي جهزها عملاء السي أي أيه في (طهران) قدر المستطاع و رغم إصابة أول طائرة سي-130 إصابة بالغة في جناحها الأيمن اثناء الهبوط إلا أن رجال قوات الدلتا نجحوا في إصلاح العطب لعد الهبوط و إستطاعت الطائرة العودة مرة أخري
و بحلول ال11:30 مساء كان قد إكتمل وصول القوات الأمريكية و المكونة من 120 فرد من القوات الخاصة (دلتا) و التي ستنقسم لقسمين ... قسم سيكون موكلا له إحتلال قاعدة (المنصورية) الجوية و القسم الأخر سيكون موكلا له تحرير الرهائن و الذهاب بهم لإستاد طهران الدولي لإنتظار طائرات الهيليوكبتر RH-53 كي تقلهم لقاعدة المنصورية و من ثم الهروب بواسطة طائرات السي-141.
و بحلول ال11:30 مساء كان قد إكتمل وصول القوات الأمريكية و المكونة من 120 فرد من القوات الخاصة (دلتا) و التي ستنقسم لقسمين ... قسم سيكون موكلا له إحتلال قاعدة (المنصورية) الجوية و القسم الأخر سيكون موكلا له تحرير الرهائن و الذهاب بهم لإستاد طهران الدولي لإنتظار طائرات الهيليوكبتر RH-53 كي تقلهم لقاعدة المنصورية و من ثم الهروب بواسطة طائرات السي-141.
و كان مصاحبا للمجموعة قوة من 12 فرد من الجوالة الأمريكان و ستكون مهامهم تأمين الطرق التي ستسير فيها الأتوبيسات التي تقل أفراد الدلتا نحو (طهران) بالإضافة إلي 15 فردا أمريكيا من اصل إيراني سيقومون بقيادة الأتوبيسات.
و جاءت طائرة سي-130 و ألقت بالونات وقود في الموقع حوالي 20 ألف لتر و بهذا تمت المرحلة الأولي من العملية بنجاح و بدأت القوات في إنتظار طائرات الهيليكوبتر RH-53 و التي ستأتي حوالي الساعة 12:15ص كي تقوم بتموينها بالوقود في الموقع و من ثم الذهاب للموقع الثاني Desert2 و المبيت هناك حتي ليلة اليوم الثاني من أجل بدء العملية.
ثم حدث ما لم يتوقعه أحد .... هبت رياح الهبوب و لم تكن طائرات الRH-53 مؤهلة للطيران في العواصف الرملية فإضطرت طائرتين من ال8 طائرات للعودة إلي حاملة الطائرات الأمريكية يو أس أس نيمتز و بهذا تبقت 6 طائرات فقط.
و عانت طائرة اخري من مشاكل و تشققات في المروحية الأفقية الرئيسية مما أضطر طاقمها لهبوط و الإنصمام لطائرة أخري.
و بعد هبوط الطائرات في الموقع بحلول ال1:00ص حدث ما لم يكن في الحسبان
جاءة شاحنة أيرانية محملة بالوقود .... علي الأرجح تابعة لعصابة تهريب وقود إيرانية و دخلت في وسط الظلام داخل مكان تمركز قوات الدلتا في Desert 1 .... بالطبع تعاملت القوات الأمريكية معها و تم ضربها بواسطة صاروخ M72 و أنفجرت الشاحنة و أشتعل الوقود بها و تحول المكان من الظلام الدامس إلي ضياء تام و أنكشف مكان القوات الأمريكية.... لم يصب السائق الإيراني بأي سوء و قامت القوات الأمريكية بإستجوابه و بعد تأكدهم من أنه مجرد مهرب صغير قاموا بتركه علي وجهه هائما في الصحراء و أعتبروا ألا خطورة منه .... و لكن.
ليس هذا فحسب:
بل بعد تلك الحادثة بنصف ساعة فقط جاء أتوبيس مدني إيراني علي الطريق الموازي لهم و بسبب إشتعال النيران في المنطقة رأي ركاب الأتوبيس القوات الأمريكية المتمركزة هناك .... فإضطرت القوات الأمريكية إلي إيقاف الأتوبيس و إختطافه و أحتجاز الركاب الإيرانيين ال43 علي متن الأتوبيس ..... و الان تدهور الوضع جدا.
فالعملية لم تبدأ بعد و إضطرت القوات الأمريكية لضرب شاحنة إيرانية و تركوا قائدها يهرب ثم إضطروا لخطف أتوبيس مدني و به 43 راكب .... و بالطبع في ظرف سويعات معدودة ستعلم إيران كلها بالوضع .... و الأسوأ أنهم فقدوا 3 طائرات من اصل ثمان طائرات هيليكوبتر RH-53.
صحيح أن التليفونات المحمولة لم يكن قد تم إختراعها بعد ..... في الواقع لم يكن قد تم إختراعها للمدنيين و لكن الجيش الأمريكي يستعمل أجهزة مشابهة للتليفونات المحمولة منذ أواخر الحرب العالمية الثانية .... بالطبع تم إبلاغ قائد العملية الجنرال (جيمس فوت) علي متن حاملة الطائرات يو اس أس نيمتز بالأحداث بالتفصيل. قام (فوت) بدوره بإبلاغ الرئيس (كارتر) بالوضع و إستأذنه في إنهاء العملية حيث واجهت الكثير من الصعوبات قبل أن تبدأ و لم يعد الوضع يحتمل.
وافق الرئيس (كارتر) علي إنهاء العملية و لكن حتي الخروج من (إيران) لم يتم دون خسائر
فأحد الطائرات الهيليوكوبتر RH-53 بحاجة للتزود بالوقود .... و طائرة السي-130 التي تحمل الوقود علي الناحية الأخري من الطريق (كانت الطائرات قد هبطت في ممرين متوازيين كما اسلفنا) ... طبعا لن يستطيع الأمريكان جر الطائرة الهيليوكبتر للسي-130 كما هي العادة بل ستحتاج للطيران تلك المسافة الصغيرة و التي لا تزيد علي 200م ... ستطير علي إرتفاع منخفض وسط طائرات السي-130 الثلاث و باقي طائرات الRH-53 الأربع .... و مرة اخري هبت رياح الهبوب و مالت الطائرة و إرتطمت مروحية الطائرة الرئيسية بأحد ..... توفي في تلك الحادثة 8 أفراد كانوا علي متن الطائرة الC-130 و اصيب الطيار و مساعده علي متن الRH-53 بحروق كبيرة.
في النهاية أضطر الأمريكان لترك طائرات الRH-53 الخمس خلفهم و الهروب في طائرات السي-130 إلي مطار المصيرة في (عمان) حيث كانت تنتظرهم طائرات السي-141 الإخلاء الطبي و التي اقلعت من مطار وادي قنا بمصر و أجلت الجرحي من (عمان) و عادت بهم علي عجل إلي مصر و من ثم إلي قاعدة (رامشتاين) بألمانيا ليتلقوا العلاج الطبي اللازم .... تركوا الطائرات خلفهم و إغتنمها الإيرانيين و تخدم حتي اليوم علي الأقل طائرتين من هذا الطراز في القوات الجوية الإيرانية.
رغم كل التخطيط و رغم كل التدريب و كل الأليات و المعدات الحديثة ..... إلا أن مخلب النسر أنكسر و فشلت العملية ...... فشلت العملية و هزم الأمريكان و تم إغتنام الياتهم ..... هزموا بجندي صغير جدا من جنود الله عز و جل الرياح.
الدكتور