نتحدث اليوم عن مشروع لم يأخذ حقه المعرفي لدي قطاعات عريضة من الشعب المصري رغم أهميته الشديدة ..... البعض يسمع عنه بطريقة مبهمة .... البعض يعتبره نوع من أنواع البروباجنده الناصرية و التي تعرفونها جميعا ..... دعونا نلقي عليه نظرة عميقة و نعرف ما هي حلوان-300.
البداية:
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية منع (ويلي ميسرشميت) المصمم الألماني الشهير لطائرات الميسرشميت من ممارسة اي أعمال عسكرية داخل ألمانيا و ضيق عليه كثيرا ... طبعا سلسلة مقاتلات الميسرشميت أشهر من نار علي علم كما أن المقاتلة ميسرشميت 262 هي أول مقاتلة نفاثة في التاريخ تدخل مرحلة الإنتاج الكمي ..... بعد الحرب العالمية الثانية تم الحكم علي الرجل بسنتين سجن بتهمة مساعدة النازيين و بعد الخروج من السجن في 1948م عاد لشركته و لكن كانت دول المحور تفرض علي (المانيا) عدم صناعة طائرات لذا إتجهت الشركة لصناعة السيارات و بطبيعة الحال لم يجد الرجل نفسه لذا سافر لأسبانيا للعمل علي في شركة (هسبانو أفياسون) الأسبانية و الخاصة بصناعة الطائرات في 1952م حيث قام بتصميم طائرة التدريب النقاثة HA-200 ثم قام بتصميم مقاتلة نفاثة إعتراضية حملت اسم HA-300 و التي كانت أخر تصميم للرجل .... لكن البطئ الشديد و عدم حماسة الحكومة الأسبانية للمشروع أدي في النهاية إلي عدم تحقيق أي خطوات ملموسة اللهم إلا بناء نموذج شراعي من الطائرة و بحلول 1959م كانت (أسبانيا) قد أوقفت المشروع تماما..
و في نفس العام قرر جمال عبدالناصر إستضافته هو و باقي فريق التصميم في (مصر) و عهد لهم بكل الإمكانيات المتاحة من أجل إكمال المشروع في (مصر) و حملت المقاتلة الجديدة اسما عربيا خالصا فبعد أن كانت تسمي HA و ترمز HA إلي الحرفين الأولين من Hispano Aviacion اصبحت حلوان-300 .... و بدأ العمل في مصنع 36 حربي (الذي سيتحول لمصنع الطائرات فيما بعد)..
كما أن (الهند) وجدت أن التجربة المصرية تجربة رائدة لذا لجأت لمصر حيث قامت (الهند) بتمويل مشروع إنتاج محرك نفاث لكي يتم وضعه علي مقاتلتها النفاثة الجديدة هندوستان ماروت إف-24.
و بدأ الثعلب الألماني العجوز ينحت في الصخر ..... فالبنية التحتية الصناعية لمصر بدائىة جدا مقارنة بالمانيا أو حتي بأسبانيا ..... و لكن الرجل كان مصمما علي النجاح .... و رغم أن الرجل عاد لألمانيا حيث سمح لألمانيا بإنتاج المقاتلات مرة أخري (و بدأت شركته في إنتاج العاهة الأمريكي الشهيرة لوكهيد ستارفايتر) إلا أن دعمه لمصر لم ينقطع ..... و فعلا بعد خمس سنوات من العمل الشاق .و تحديدا في 4 مارس 1964م طارت الطائرة الأولي في سماء القاهرة (و هي تلك التي تم فيها إلتقاط الصورة الشهيرة فوق هرم زوسر بسقارة) ... حملت الطائرة الرقم 001 و كان يقودها الطيار الهندي (بهارجاوا)..
و كانت الفرحة عارمة ..... و رغم الفرحة العارمة إلا أن (ناصر) كان حذرا فهو يعلم أن الطائرة تطير بمحرك بريستول أورفيس و هذا المحرك من صنع عدوه اللدود ... إنجلترا
لذا بدأ العمل علي المضي قدما سريعا في مشروع المحرك المصري الجديد الممول بواسطة الهند و الذي حمل اسم E-300 و كان من تصميم مهندس نمساوي شهير عمل فترة في الإتحاد السوفيتي (قسرا بالطبع) و هو (فرديناند برادنر) و بالمناسبة (برادنر) هو مصمم محرك الكوزنيتسوف NK12 العامل علي طائرات التو-95..
و فعلا نجحت مصر في صناعة المحرك الأول في 1963م حيث تمت تجربته علي طائرة نقل من طراز أنتونوف-12 ثم تمت تجربته علي الماروت هندوستان و كان المحرك الجديد قويا جدا ففي حين أن المحرك الإنجليزي بريستول أورفيس كان يولد 22 كيلونيوتن كان المحرك المصري يولد 47 كيلونيوتن اي أكثر من ضعف القوة المولدة من المحرك الإنجليزي .... و تم إنتاج بروتوتايب ثاني من الطائرة حمل رقم 002 و تم إجراء بعض التعديلات علي الـ airframe الخاص بها لتمكينها من تعدي سرعة الصوت هذه المرة,
و في 22 يوليو 1965م طارت الطائرة الثانية بواسطة (بهارجاوا) ايضا و استطاعت كسر حاجز الصوت بقليل .... حيث حلق الرجل لمدة 11 دقيقة و إستطاع الوصول لماخ 1.1 علي إرتفاع 30 ألف قدم.
و في 1966م شاهد الرئيس الجزائري (هواري بومدين) عرضا حيا للمقاتلة و طلب شرائها لبناء قواته الجوية الوليدة و وافق (ناصر) علي تزويده بالعدد الذي تحتاجه القوات الجوية الجزائرية بعد دخول الطائرة مرحلة الإنتاج الكمي والتي كانت قريبة جدا جدا وقتها
طبعا جاءت حرب 1967م و كانت ضربة قاصمة للمشروع و لكن بحلول 1968 أستأنفت مصر المشروع حيث تم إنتاج البروتوتايب الثالث و الذي حمل رقم 003 و لكن هذه الطائرة كانت مختلفة .... حيث زودت بالمحرك المصري E-300 و إستطاعت كسر ضعف سرعة الصوت حيث حققت 2.1 ماخ .... كان الطيار هو (بهارجاوا) ايضا.
المميزات:
الميزة الأولي أنها صناعة محلية و هي ميزة رهيبة بطبيعة الحال
الميزة الثانية هي انه كانت من أسرع او اسرع الطائرات المتاحة وقتها علي الأرجح لم تكن تتفوق عليها من حيث السرعة سوي اللوكهيد ستارفايتر و طبعا السرعة كان عاملا مهما وقتها.
العيوب:
- كان محرك الطائرة يتسبب بإهتزازات عنيفة فى البدن علي السرعات العالية .... حيث حقق هذا المحرك علي طائرة الماروت سرعة تبلغ 2.5 ماخ في حين انه لم يحقق سوي 2.1 ماخ علي حلوان-300.
- كان المحرك يستهلك الوقود بنهم شديد و كانت الخزانات صغيرة.... لذا لم تكن الطائرة تستطيع التحليق سوي 20 دقيقة فقط و مداها لم يكن يتعدي ال640كم!!!!!
- أجهزة الملاحة و العدادات كانت كلها مستوردة.
و كانت هذه العيوب في طريقها للحل حيث أننا نستطيع ان نقول أن مصر كانت قد أنجزت أكثر من 60 أو 70% من المشروع و لم يتبق سوي الجزء السهل و لكن المشروع توقف كما تعلمون 1969 ..... معظم الناس يظن ان التوقف كان بسبب الهزيمة فى 1967 و لكن هذا ليس حقيقي .... السبب الحقيقي كان الإتحاد السوفيتي .... فلقد كان الإتحاد السوفيتي يري هذه الطائرة خطرا داهما علي نفوذه و صناعته العسكرية لدي دول المعسكر الشرقي ..... فالعراق و سوريا و الجزائر و هم من الزبائن الدائمين للسلاح الروسي كانوا سيتعاقدون علي تلك الطائرة العربية الأسرع و الأقوي و الأكثر كفاءة من الميج-21 ..... بل لقد تعاقدت الجزائر عليها فعلا كما قلنا ..... لذا فقام الإتحاد السوفيتي بعرض الميج-21 علي مصر بسعر بالغ الرخص 300الف دولار (وقتها الدولار كان ثمنه في حدود ال70 قرشا) تدفع الحكومة المصرية منهم 25% نقدا و 25% بضائع و الباقي بتسهيلات بنكية تقدر ب10 سنوات ..... اي أن الحكومة كانت تستطيع الحصول علي الميج-21 بعد دفع 75ألف دولار أو بالمصري 50 ألف جنيه فقط!!! و لما كان (ناصر) مصمما علي إستكمال المشروع مهما كان الثمن أوعز السوفيت لألمانيا الشرقية التي كانت تمد مصر بالكثير من سبائك الالومنيوم و التيتانيوم و التي تدخل فى صناعة الطائرة بوقف تصدير هذه المواد و السبائك لمصر ...... لذا إضطرت مصر لوقف المشروع و تحويل العاملين به للقوات المسلحة المصرية و شراء الميج-21 بهذا الرخص.
طبعا لا ننسي الإغتيالات التي قام بها الموساد في مصر للعلماء الألمان و التي أدت في النهاية بأن معظمهم ترك مصر و عاد لبلاده خوفا علي حياته و لكنها لم تكن العامل الرئيسي.
الدكتور