كما قلنا تسلم الجنرال (برنارد مونتجمري) قيادة الجيش الثامن الإنجليزي خلفا (لويليام جوت) و الذي قامت مقاتلات الالبي إف-109 بإعتراض طائرته و إسقاطها و هي في طريقها من القاهرة للعلمين ..
و كانت أول مشكلة تقابله هي أن جنوده مبهورين بالقائد الألماني الفذ ثعلب الصحراء (إرفين روميل) و تكتيكاته و إنتصاراته أكثر من اللازم فكان علي (مونتي) ان يعمل علي إزالة هذا الإنبهار و حث الجنود علي هزيمة هذا الرجل (((الأسطوري))) بالنسبة لهم .... و لكن في الواقع لم يكن جنود (مونتي) فقط هم المبهورين بروميل ... فمونتي نفسه لم يخف إعجابه بالرجل لدرجة أن أول شئ فعله (مونتي) في مكتبه كان وضع صورة بالحجم الطبيعي (لروميل) داخل مكتبه و تذكير نفسه يوميا ان عليه هزيمة هذا الرجل..
توقع (مونتي) ان يحاول (روميل) كسر الدفاعات الإنجليزية عند (العلمين) مرة أخري .... و من أجل هذه جهز خدعة بارعة لثعلب الصحراء .. فهو يعلم ان الجزء الأكبر من قوات (روميل) تنتمي للفرق المدرعة .... و جنوب العلمين هناك خط دفاعي قام الإنجليز بتحضيره عند (علم حلفا) و الأرض هناك رخوة و غير صالحة للمدرعات .... لذا ففي أحد الإشتباكات الخفيفة بين الجيشين الإنجليزي و الألماني ترك (مونتي) مدرعة إنجليزية نصف محترقة بها خريطة توضح الإستحكامات الدفاعية الإنجليزية حول (العلمين) و توضح أن الارض عند (علم حلفا) صلبة و تصلح لقتال المدرعات ..... و إبتلع الثعلب (روميل) الطعم .... و قام بتحضير الفرقة 21 مدرعات للهجوم ... و في 30 اغسطس 1942م بدأ الهجوم الألماني بواسطة الفرقة 21 مدرعات .... ولكن الأرض الرخوة جعلت تحركات الدبابات و المدرعات الألمانية صعبة و قام الإنجليز بالإجهاز عليهم بواسطة المدفعية و مضادات الدبابات و قتل قائد الفرقة 21 مدرعات شخصيا في هذه المعركة .... كما ان مقاتلات الهوكر هاريكين جعلت الظروف صعبة جدا .... و في ظل عدم وجود أي غطاء جوي من اللوفتفاف للقوات النازية .... و تأخر الإمدادات في الوصول .... اضطر (روميل) للإنسحاب من (علم حلفا) في 3 سبتمبر 1942م..
إنسحب معلنا عن وصول ثعلب جديد للصحاري المصرية.
الثعلب لم يمض علي قدومه للاراضي المصرية سوي حوالي شهر واحد فقط.
و لكن الثعلب هذه المرة ليس المانيا ..بل إنجليزي.. و يحمل اسم (مونتجمري).
و بعد فشل (روميل) في كسر الدفاعات البريطانية حول (العلمين) مرتين متتاليتين (معركة العلمين الأولي و معركة علم حلفا) حان الان وقت الهجوم.
الهجوم الإنجليزي و الدفاع الألماني هذه المرة.
فالإمدادات الأمريكية بدأت تصل بكثافة إلي موانئ الأسكندرية و تمثلت هذه الإمدادات في 300 دبابة (شيرمان) جديدة و 4 اسراب قاذفات من طراز (بي-25) بالإضافة إلي الاف الذخائر المدفعية و بحلول 23 اكتوبر 1942م كانت خطة الهجوم قد إكتملت في ذهن (مونتجمري) كما انه عرف من مصادر إستخباراتية خاصة به أن (روميل) يعاني بشدة في مجال الإمدادات و أن الوقود لديه لا يكفي سوي لقتال 3 ايام فقط!!!!!
أما (روميل) فاضطر للإعتماد علي موارده الشخصية في الصحراء المصرية و الليبية ... فكل الإمدادات التي طلبها من (هتلر) و علي رأسها دبابات (التايجر) الجديدة التي كان (هتلر) قد وعده بها أكثر من مرة لم تأت.. فقام (روميل) بتلغيم الصحراء بنصف مليون لغم كما قام بوضع الكثير من الإستحكامات و الأسلاك الشائكة..
و الان جاء دور البريطانيين كي يهجموا و يقوم الالمان بدور الدفاع و كانت الظروف البريطانية أفضل كثيرا ... فهم يتمتعون بتفوق عددي و نوعي واضح... فالبريطانيين قاموا بحشد 195الف جندي.. و 1029 دبابة منهم حوالي 300 دبابة أمريكية من طراز أم4 أيه1 (شيرمان) و التي تعتبر أفضل دبابة في صحاري مصر حاليا ... فهي مزودة بتدريع لا بأس به (بمقاييس هذا الزمان طبعا) يبلغ 75مم في الأمام و الأجناب كما انها مزودة بمدفع جيد أل-40 عيار 75مم قادر علي التعامل مع دبابات البانزر 2 و 3 و 4 النازية بكفاءة تامة ..... يكفي أن تعلم لبيان كفاءتها أنه في خلال الحرب فقط قامت الولايات المتحدة بإنتاج 48الف دبابة من هذا النوع!!!!
و 730 مقاتلة و تقع مطاراتها بجوار قوات (مونتجمري) .... و تشكل مقاتلات الهوكر هاريكاين 2 دي العمود الفقري للقوات الجوية البريطانية و هي مقاتلة عنيدة تبلغ سرعتها القصوي حوالي 450كم/س و مزودة بمدفعين (فيكرز) عيار 40مم .... أي أنها تشكل رقما صعبا للألوية المدرعة الألمانية في الحرب ... فهذا المدفع قادر علي التعامل علي الدبابات الحديثة فما بالك بدبابات 1942!!!!!
كانت القوات الجوية البريطانية تشغل مقاتلات البي-40 كيتي هوك الأمريكية و التي كانت مجهزة بست مدافع عيار 12.7مم بالإضافة إلي القدرة علي حمل قنبلة زنة 500 رطل (اي مقاتلة متعددة المهام) .... صحيح انها ليست بجودة مقاتلات البي إف-109 الألمانية في المناورة جوا و لكنها كافية للمواجهة..
كما أن القوات البريطانية كانت مزودة بالمدفع الأمريكي الصنع الهاوتزر إم2 ايه1 عيار 105مم ..... و يكفي للدلالة علي كفاءة المدفع و قوته أن تعلم أن هذا المدفع يخدم في الكثير من الجيوش حول العالم حتي يومنا هذا.
المقابل
105 الف جندي منهم حوالي 55 الف جندي إيطالي (اي بروح معنوية و قدرات متواضعة لا ترقي لمستوي الجندي الإنجليزي فضلا عن الألماني) ...... و كانت مشكلة (روميل) الرئيسية في الحرب (بجوار تواضع كفاءة الفرد المقاتل الإيطالي و الذي يمثل حوالي نصف جيشه) هو تواضع التجهيزات العسكرية للفرق المدرعة و المدفعية الإيطالية .. ففي الوقت الذي كانت القوات الإنجليزية مجهزة بمدفع الهاوتزر الأمريكي أم2 ايه1 عيار 105مم كانت القوات الإيطالية تحارب بالمدفع (سيموفنتي) عيار 75مم!!!!
أما القوات الألمانية فكانت مجهزة بالمدفع الهاوتزر (الرهيب بمعني الكلمة) فلاك و هو عيار 88مم و قادر علي إطلاق قذائف متفجرة يبلغ وزنها 8كجم لمدي 10كم و بمعدل 20 قذيفة/الدقيقة .... المدفع في الأصل كان مضاد للطائرات و لكن استخدمه الفيرماخت لدعم الجنود علي الأرض و ظل يستخدم حتي منتصف التسعينيات بواسطة الميليشيات الصربية في اثناء الحرب في البوسنة.
547 دبابة .... لا توجد منهم أي دبابات بانزر 5 أو تايجر و معظم الدبابات بانزر 2 و 3 و نصفها إيطالية تايب 1 و 2 و عدد محدود من البانزر 4.. و البانزر 3 كما نعلم كانت مزودة ب50مم من التدريع و مدفع عيار 50مم و هي مواصفات كما نري أقل كثيرا من نظيرتها الأمريكية الموجودة لدي الإنجليز (شيرمان) .... و كما نعلم فالبانزر 4 إحتفظت بنفس التدريع للبانزر 3 و لكن بمدفع أقوي عيار 75مم .... لازالت اقل من الشيرمان .... و كان (روميل) يدرك أن قواته المدرعة اقل من نظيرتها الإنجليزية لذا طلب من (هتلر) إمداده بعلي الأقل 40 دبابة جديدة من طراز (تايجر) و لكنها لم تأت ابدا.
و 530 مقاتلة و لكن من مطارات بعيدة عن قوات (روميل) حيث كانت علاقة (روميل) بألبرت كاسيلرنج رئيس اركان الجيوش الجنوبية الألمانية كلها (و أحد ضباط اللوفتفاف السابقين) سيئة و لم يستطع (كاسلرنج) توفير الغطاء الجوي اللازم للجيوش النازية المقاتلة في (العلمين).
و الان ...
يتبع الجزء الثالث
الدكتور