كانت القوات البرية الإيرانية تتألف من ثلاثة أقسام مختلفة كما أشرنا وهي:
1- قوات التعبئة العامة (الباسيج): وهي قوات خفيفة التسليح وقليلة التدريب والكفاءة وذات حماس عقائدي كبير. وكانت منظمة بهيكلية مختلفة عن الهيكلية الكلاسيكية المعروفة للجيوش في العالم، وكانت وحدات الباسيج معبأة في وحدات حسب التقسيم المناطقي للأماكن التي قدم منها الأفراد، وكانت أصغر وحدة في التقسيم هي المجموعة، حيث تتألف كل واحدة من 22 فرداً، من مربع سكاني في مدينة واحدة، لزيادة ترابطهم، حيث يتم تعبئتهم ويتلقون تدريباً عسكرياً ومعنوياً، لمدة قصيرة.
وكانت قوات الباسيج أيضا من نوعين:
- الانتحاريين ويتلقون تدريبا عسكريا أكثر بقليل من الباقين كما يتلقون تعبئة معنوية أكثر بكثير، ويقاتلون حتى الموت ويفتتحون الأعمال القتالية.
- باقي قوات الباسيج وهم يشكلون الأغلبية الساحقة منه ويمثلون المادة الرئيسية للموجات البشرية الإيرانية.
2- قوات الحرس الثوري (الباسدران): وهم قوات شبه نظامية، أغلبيتها الساحقة من المشاة ذوي تدريب مقبول وحماسة عقائدية عالية، تسليحهم خفيف في الغالب ولكنهم يحوزون أفضل أنواع الأسلحة النوعية التي يمكن للقوات الخفيفة أن تتسلح بها (خاصة مضادات الدروع والطيران المحمولة).
كما كان للحرس الثوري فرع بحري أيضا. فبينما تسيطر القوات البحرية الإيرانية على سفن القتال الرئيسية وجزء من لنشات الصواريخ وزوارق الدورية. تسيطر بحرية الحرس الثوري على الجزء الآخر من لنشات الصواريخ وزوارق الدورية وعلى جزء من منصات صواريخ أرض-بحر الساحلية (يمتلك الحرس الثوري الصواريخ الأبعد مدى لغرض استعمالها في تهديد الملاحة) وتضم بحرية الحرس الثوري بالإضافة لذلك قوارب سريعة وصغيرة الحجم تم تركيب بعض الأسلحة البرية عليها (مثلا زورق يحمل راجمة صواريخ جراد - زورق يحمل مدفع B10 أو B11 عديم الارتداد - زورق يحمل قاذف صواريخ مضاد للدروع - زورق يحمل رشاش ثقيل) وقد تولت بحرية الحرس الثوري الجزء الأكبر من العمليات الخفية المتعلقة بحرب الناقلات في مياه الخليج. كما أن للحرس الثوري فرع يسيطر على قوات الصواريخ أرض-أرض. وعموما ما يهمنا هو القوات البرية للحرس.
3- قوات الجيش النظامي: وتمتلك أغلبية الدبابات وقطع المدفعية والآليات الثقيلة: ويعتبر منتسبوها (وخاصة الضباط) هم الأكثر كفاءة ومهنية، وعلى رغم الأضرار التي لحقت بتلك القوات نتيجة نقص قطع الغيار بعد الثورة الإيرانية ونتيجة عمليات التطهير التي طالت الكثير من منتسبيها، إلا أن تلك القوات بقيت الأكثر كفاءة بين أنواع القوات الإيرانية.
ينفذ الإيرانيون هجومهم في شكل موجات هجومية متتالية على الشكل التالي:
- الموجة الأولى (الموجة الانتحارية) : مكونة من مجموعات انتحارية من قوات المتطوعين (الباسيج) حيث يُدفعون إلى القتال مترجلين، أو بأي وسيلة نقْل مدنية، بما في ذلك الدراجات، الهوائية والنارية، والعربات الخاصة، والقوارب المطاطية. تهجم تلك الموجة على طول خط الجبهة وتلتحم بالحد الأمامي لخط الدفاع العراقي الأول، وتتولى فتح منافذ في موانع الأسلاك الشائكة والألغام والسوتر الترابية وإلحاق أكبر ضرر ممكن بقوات الحد الأمامي.
- الموجات اللاحقة (موجات الهجوم العام): وتكون عبارة عن 3 موجات في الغالب (في بعض المعارك تم الاكتفاء بموجتين وفي معارك أخرى تمت زيادة الموجات المذكورة إلى أكثر من ثلاثة)، كل موجة منها أكثر كثافة من الموجة الانتحارية وتتشكل من مجموعات قتالية من المتطوعين (الباسيج) ، تهجم تلك الموجات على طول خط الجبهة، ويتم زج كل موجة منها بحيث تدخل المعركة في نفس الوقت الذي تكون فيه القوات العراقية في خط الدفاع الأول منهمكة في الاشتباك مع الموجة التي قبلها، وتقوم تلك الموجات باستنزاف القوات العراقية وإنهاكها.
- الموجه قبل الأخيرة (موجة الاختراق): وهي أكثر فاعلية، إذ تتكون من مقاتلي الحرس الثوري، ويكون هدفها التركيز على نقاط الضعف، التي أمكن تمييزها، خلال هجوم الموجات السابقة، وإحداث اختراق في خط الدفاع العراقي الأول وفي بعض الأحيان كانت تقوم بالتصدي لهجمات قوات النسق الثاني العراقية قبل وصول الموجة الأخيرة.
-الموجة الأخيرة (موجة التعزيز):، فتتألف من القوات النظامية، التي تدفع إلى المناطق التي تم إحداث الاختراق منها، لاستثمار الخرق، وعزل وتدمير القوات العراقية المدافعة، والاستعداد لصد الهجمات العراقية المضادة التي تشنها قوات النسقين الثاني والثالث.
عقيدة الأنساق القتالية المتدرجة القوة:
تنقسم فيالق المشاة في الجيش السوفيتي إلى (فرقتين أو ثلاث فرق مشاة + فرقة مدرعة في الغالب وفي بعض الأحيان يكتفى بفرقة ميكانيكية)، وتنقسم فرق المشاة داخل تلك الفيالق إلى (لواءين أو ثلاثة ألوية مشاة + لواء مدرع (لن نتحدث عن وحدات الدعم كالمدفعية أو الدفاع الجوي )) ، وتنقسم ألوية المشاة داخل تلك الفرق إلى (ثلاث كتائب مشاة وكتيبة مدرعة) وهناك طبعا بعض الجيوش التي تحتوي على (فيلقين أو ثلاثة مشاة + فيلق مدرع).
تقوم فيالق المشاة السوفيتية بنشر فرق المشاة في الأمام لتشكل النسق التعبوي/العملياتي الأول (القوات التكتيكية) بينما تنشر الفرقة المدرعة في الخلف لتشكل النسق التعبوي/العملياتي الثاني (الاحتياط العملياتي/التعبوي).
أما فرق المشاة فتقوم بنشر ألوية المشاة الخاصة بها في الأمام لتشكل النسق التكتيكي الأول، بينما تنشر اللواء المدرع الخاص بها في الخلف ليشكل النسق التكيتيكي الثاني (الاحتياط التكتيكي).
أما القوات التي تنتشر خلف الفيالق (أو الجيوش حسب حجم الجبهة) والتي تكون فرق وألوية مدرعة أو ميكانيكية أو قوات خاصة مستقلة غالبا فتكون قوات الاحتياط الاستراتيجي.
في حالة الدفاع تنتشر ألوية المشاة الخاصة بالفرق بمساندة كتائب الدبابات التي تحتويها لتشكل الخط الدفاعي الأول المكلف بصد العدو. أما ألوية الدبابات الخاصة بفرق المشاة فتنتشر في الخط الدفاعي الثاني وتتحرك إلى الأمام لتعزيز نقطة في الخط الدفاعي الأول على وشك الانهيار، أو تقوم بشن هجوم مضاد على القوات المعادية التي تكون قد اخترقت قطاع الفرقة في الخط الدفاعي الأول. أما فرق المدرعات الخاصة بالفيالق فتنتشر خلف فرق المشاة في الخط الدفاعي الثالث وتتحرك للأمام غالبا لإغلاق الثغرة في حال انهارت دفاعات إحدى الفرق أو تتحرك تلك الفرق للأمام للانتقال إلى الهجوم بعد أن تنجح فرق المشاة في كسر وإيقاف الهجوم المعادي.
أما في حالة الهجوم فتتولى ألوية المشاة بمساندة كتائب الدبابات الملحقة بها اختراق الدفاعات الأمامية المعادية. وفي حال نجحت الفرقة في اختراق دفاعات العدو في قطاع معين يتم الزج باللواء المدرع الخاص بالفرقة لدعم الخرق حتى يحافظ الهجوم على زخمه ولا يفقد قوته الدافعة للتغلب على الخط الدفاعي التالي للعدو، أيضا في حال تعثر هجوم ألوية المشاة وعدم قدرتها على إحداث الخرق فمن الممكن حسب الحالة أن يتم زج اللواء المدرع في أنسب محور لمعاونة أحد ألوية المشاة مثلا على إحداث خرق.
أما الفرقة المدرعة فمهمتها هي استثمار أي اختراق عميق تقوم به إحدى فرق المشاة الأمامية إذا ما وصلت في أحد قطاعاتها إلى عمق دفاعات العدو، حيث تقوم الفرقة بالاندفاع في الخرق للنفاذ في مؤخرة القوات المعادية وتطويقها والاشتباك مع الاحتياطات المعادية التي تتحرك لشن الهجمات المضادة.
يذكر هنا أن الدبابات تتدرج قوتها غالبا حسب النسق، فدبابات الكتائب المدرعة الملحقة بألوية المشاة غالبا ما تكون أضعفها حيث تقتصر مهمتها غالبا على تقديم الدعم النيراني القريب للمشاة ومساعدتهم في اجتياح النقط المعادية المنيعة أثناء الهجوم كما تلعب دور المدفعية المضادة للدبابات ذاتية الحركة أثناء الدفاع حيث ترتبط بالأرض في مواقع محصنة إلى جانب المشاة.
أما الفرق المدرعة فتمتلك أفضل أنواع الدبابات غالبا وأقواها حيث أنها معدة أصلا لشن الهجمات المضادة على القوات المعادية التي تخترق الخطوط الدفاعية، كما أنها مكلفة أيضا بالعمل في مؤخرة العدو والتصدي لهجوم احتياطاته القوية.
وقد اتبعت مصر نفس العقيدة العسكرية الروسية في الستينات والسبعينات، فمثلا في حرب 67 تم نشر القوات في 3 أنساق حيث احتلت فرق المشاة (2-3-6-7) خطي الدفاع الأول والثاني. بينما رابطت الفرقة المدرعة 4 في الخط الدفاعي الثالث، لاحقا زاد حجم القوات المصرية وانتقلت من تنظيم الفرق إلى تنظيم الجيوش (وإن كان الأنسب تسميتها بالفيالق). فكان لها في حرب 73 جيشين (الثاني والثالث)، ويتألف الجيش الثاني من 3 فرق مشاة في الأمام (كل فرقة تحتوي لواء مدرع يشكل نسقها الثاني) والفرقة 21 مدرعة في الخلف. بينما يحتوي الجيش الثالث على فرقتي مشاة في الأمام (يشكل لواء مدرع النسق الثاني لكل منها أيضا) والفرقة الرابعة مدرعة في الخلف.
لم يكن الوضع مختلفا في سوريا. ففي حرب 67 كان الجيش السوري لا يزال يتبع تنظيم الألوية فكانت ألوية المشاة ترابط على الخطوط الدفاعية الأولى، بينما يقبع خلفها لواء مدرع ولواء ميكانيكي في منطقة القنيطرة (كان هناك أيضا لواءان في منطقة الكسوة كاحتياط استراتيجي).
وفي السبعينات انتقل إلى تنظيم الفرق فدخل حرب 73 وهو ينشر الفرق 5 و7 و9 مشاة في الأمام (كل منها يحتوي لواء مدرعا يشكل النسق الثاني للفرقة)، بينما انتشرت الفرقة الأولى مدرعة في الخلف لتشكل الاحتياط التعبوي/العملياتي (انتشرت الفرقة الثالثة خلف الجميع لتكون الاحتياط الاستراتيجي التابع للقيادة العليا).
لاحقا تضخم الجيش السوري وصار يتبع تنظيم الفيالق.
حال القوات العراقية من حيث التقسيم لم يكن يختلف كثيرا، وقد بدأ الحرب عام 1980 وفق تنظيم الفرق ثم تضخم أثناء الحرب وصار يتبع تنظيم الفيالق، ولكننا نذكر أنه في بداية الحرب خاض الجيش العراقي الحرب بأسلوب مختلف حيث زج بالقوات المدرعة والميكانيكية في مقدمة هجومه في محاولة لإحداث اجتياح سريع وحاسم، ولكن وبعد توقف هجومه وانتقاله للدفاع عن الأراضي التي وصل إليها عاد إلى اتباع نفس الأسلوب السوفيتي والذي حافظ عليه أغلب أوقات الحرب الباقية، وفي السنة الأخيرة طور ذلك الأسلوب بعض الشيء بإنشائه لقوات الحرس الجمهوري المكونة من نخبة القوات المدرعة والقوات الخاصة الميكانيكية حيث جعل منها احتياطا استراتيجيا ينقله بين القطاعات بشكل مستمر ويناور به في المناطق الهامة وكان له الدور الأكبر في الهجمات الحاسمة الأخيرة.